الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

أيها المحزون..!


صاحب النظرات .. المنفلوطي

إن كنتَ تعلم أنك قد أخذت على الدهر عهدًا أن يكون لك كما تريد في جميع شؤونك وأطوارك، وألا يعطيك ولا يمنعك إلا كما تحب وتشتهي..؛ فجدير بك أن تطلق لنفسك في سبيل الحزن عِناتها كلما فاتك مأرب، أو استعصى عليك مطلب..!

وإن كنت تعلم أخلاق الأيام في أخذها وردِّها وعطائها ومنعها وأنها لا تنام عن منحة تمنحها حتى تكُرَ عليها راجعة؛ فتستردها, وأن هذه سنتها وتلك خُلتها في جميع أبناء آدم، سواءً في ذلك ساكن القصر وساكن الكوخ، ومن يطأ بنعله هام الجوزاء ، ومن ينام على بساط الغبراء..؛ فخفِّض من حزنك.., وكفكف من دمعك..؛ فما أنت بأول غرض أصابه سهم الزمان, وما مُصابك بالبدعة الطريفة في جريدة المصائب والأحزان..!

أنت حزين لأن نجمًا زاهرًا من الأمل كان يتراءي لك في سماء حياتك؛ فيملأ عينيك نورًا, وقلبك سرورًا..، وما هي إلا كرَّةُ الطرف أن افتقدته، فما وجدته..! ولو كنت أنعمت نظرك فيما تراءى لك..؛ لرأيت برقًا خاطفًا، وما تظنه نجمًا زاهرًا, وهنالك لا يبهرك طلوعه، فلا يفجعك أفوله..!

أسعد الناس في هذه الحياة مَنْ إذا وافته النعمة؛ تنكَّر لها, ونظر إليها نظرة المستريب بها, وترقَّب في كل ساعة زوالها وفناءها..! 
فإن بقيت في يده؛ فذاك, وإلا فقد أعدَّ لفراقها عُدَّته من قبل..!

لولا السرور في ساعة الميلاد؛ ما كان البكاء، ساعة الموت..! 
ولولا الوثوق بدوام الغنى؛ ما كان الجزع من الفقر..!
ولولا فرحة التلاق..؛ ما كانت ترحة الفراق..!