الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

لسنا قطيعًا من الهمج ..!



هشام يوسف‮   |  13-09-2011 01:36

جميلة تلك الدعوات التي تدعو إلى تنشيط الثورة، وجعل جذوتها مشتعلة ومتّقدة، على الدوام، عبر آليات وبرامج توعوية، لترسل رسائل عدة، منها: ثبات الثوار على مبادئهم، وإيجاد حالة حراك دائم، يعطي ضغوطًا إيجابية على الحكومة ومجلسنا العسكري، اللذين هم بحاجة دائمًا أننا في حالة ثورة، تحتاج إلى تعامل خاص، تعامل يراعي مصالح مصر الداخلية والدولية، وفي مقدمتها توجيه رسائل بغرض تطمين المجتمع الدولي، وتأكيد استقرار البلاد بالفعل وليس القول، بما يساعد على جذب الاستثمارات، وضمان عودة حركة السياحة إلى ما كانت عليه قبل رحيل المخلوع !

كانت جمع الثورة، موعدًا مهمًا وملهمًا للقيام بحالة التنشيط هذه، والإفاقة الدائمة للثوار والحكومة على السواء، وكان لهذه الجمع مفعول السحر، في التعجيل بمحاكمات الرئيس المخلوع ووزير داخليته، وأعوانه، وبطانته من الوزراء، والمنتفعين ومتورمي الكروش من مال الشعب السائب، بلا رقيب ولا حسيب !

هذه الجمع كان يجري حولها تنسيق بين القوى الوطنية المتنوعة، واتفاق مبادئ على مطالب معينة، تحظى بالتوافق الوطني في حدوده الدنيا..، حتى جاءت الجمعة الماضية، أو ما سمّي جمعة تصحيح المسار، دون توافق وطني على حدودها الدنيا، حيث بدا خطف قوى معينة لفعالياتها، دونما تنسيق بين بقية القوى والائتلافات الثورية المشاركة، بدعوى تجديد المطالب، بالرغم من اشتعال الجو بالشائعات التي ربما أسهمت في إحجام سواد القوى الوطنية عن المشاركة في فعالياتها، تجنبًا لمزالق مواجهات عنف، قد تصل إل‍ى الدموية، كما حدث في ليل الجمعة المذكورة !

سارت فعاليات الجمعة على أفضل ما يكون، ولم يعكر صفوها سوى محاولات البعض استعمال العنف، واستخدام آلات حادة، هيّمنت على روح التحرير لأول مرة منذ قيام الثورة؛ وقد تبعث هذه الحالة على استقصاء علمي وعملي لهذا التوجّه العنيف في مسار الثورة، وهم خرجوا أصلاً لتصحيح مسارها! وكأنه تعديل إلى العنف والدعوة إلى إسالة الدماء الذكية بدم بارد !

وفي ظني أن المحرّض على ما حدث حول السفارة الإسرائيلية ومحاولة اقتحامها، وإنزال علمها للمرة الثانية، ليس هو الوريث السابق للمخلوع، بقدر ما هو تصرف أرعن من حكومتنا الرشيد، حينما قامت بتكريم منزل العلم في المرة الأولى، وحينما منحته محافظته شقة، ووظيفة جزاءً وفاقًا ! أقول ذلك بالرغم من اتفاقنا على عقيدة الشعب المصري الكارهة لصهيونية إسرائيل، وعدوانيتها، وتوسعاتها، ولكن تبقى في الأخير، هي سفارة لمجموعة من المعاهدين، والمستأمنين على ممتلكاتهم وأعراضهم.

تعاملت الحكومة مع الحدث– تعاملوا مع الحدث بغير مبالاة دونما اكتراث لسُمعة ومكانة مصر في العالمين ..! ناسين أو متناسين أن ذلك يعارض مبدأين مهمين ‍ مبدأ شرعي صادر من ديننا، ومبدأ قانوني دولي، يحصّنه المنظمات الدولية ذات العلاقة، أما الأول فديننا الإسلامي، قد أمَّن غير المسلمين في ديار الإسلام على عرضهم ومالهم ودمهم، فالمستأمن هو الكافر - يهوديًا كان أو نصرانيًا أو غير ذلك - الذي أخذ الأمان بدخول دار الإسلام من ولي الأمر أو آحاد المسلمين، (ولي الأمر الآن فقط)، وقد حرَّم الله تعالى دم المستأمن وماله وعرضه، وهذه الحرمة ثابتة بالكتاب والسنة والعقل وأفعال الخلفاء والصحابة وأهل العلم على مرِّ الزمان، فلا يحل لأحد أن يتعدَّى عليه في عرضه أو ماله أو دمه.

أمّا القانون الدولي، فيحمي السفارات الأجنبية، حيث تتمتع بحزمة من الحصانات التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية باعتبارها جزءًا تابعًا للدولة التي تمثلها، وبالتالي فإن مصر تتعهد وتلتزم بتوفير حماية كاملة لمقر السفارة الإسرائيلية فلا يجوز اقتحامها أو تفتيشها أو إلقاء القبض على أحد فيها أو فرض ضرائب عليها، أي إنها محصَّنة شخصيًا وقضائيًا وماليًا، حسب ما ذكره خبراء القانون الدولي .

لسنا في معرض الدفاع عن رفع العلم الإسرائيلي أو إنزاله، أو الهجوم على من أساؤوا لمصرنا في العالم أجمع بهذه الهجوم العبثي، من مجموعة من الشباب، الذين قد يكونون مفتونين ومبهورين بما أقدم عليه بطل إنزال العلم في المرة الأولى، ويحلمون بمكافآت وعطايا مثلما حظي الثائر الأول من عطايا حكومية ! أو أنهم مجموعة من المغرّر بهم، تدفعهم جهات (فلول الحزب المحظور)، لا تريد الخير لبلادنا في المرحلة المقبلة ...!

ليست بطولة أن يتم تنزيل علم سفارة ما حتى لو كانت إسرائيل ...! وليست بطولة أن تقتحم سفارة دولة حتى لو كانت صهيونية ، لسنا قطيعًا من الهمج والغوغائيين..! مصر أكبر من مشهد اقتحام السفارة، ومقر وزارة الداخلية، واقتحام مديرية أمن الجيزة، التي راح ضحيتها 5 قتلى وأكثر من ألف جريح !

أكبر ظني أن مصر خسرت أضعاف أضعاف، ما يبدو أنه تعاطف شعبي إزاء المشهد المأساوي في اقتحام سفارة العدو، وليس من قبيل الصدف أن يستثمر العدو هذا الحادث ليروّج في العالم لغياب الأمن والأمان في مصر التي سقطت في قبضة البلطجية، والشبِّيحة والغوغائيين واللصوص والمسجلين الخطر والخارجين علي القانون الذين يحاولون الآن سرقة ثورتنا ..، ودفع المجلس العسكري إلى خيار لم يكن يحلم به أي ثائر من ذي قبل .. فرض الأحكام العرفية وإطالة أمد العسكر مرة أخرى !





رابط المقال في صحيفة (المصريون):

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=77364

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق