الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

هل يُعاد إنتاج نظام المخلوع..؟!!



هشام يوسف‮ ‬   |  28-09-2011 00:54

تماهى المجلس العسكري مع أشواق المصريين في تحقيق مطالبهم المشروعة لتحقيق شعار الثورة: "عيش؛ حرية؛ عدالة اجتماعية"، ولم يظل شاهدًا على الأحداث الثورية، بقدر ما كان مشاركًا في تحقيقها ومستلهمًا روحها البريئة، وحاضنًا، وحاميًا لفعالياتها النقية، التي لم يعرف التاريخ الإنساني بأسره، عفوية، وطهارةً، أو تعاطيًا سلميًا وحضاريًا، شبيهًا لها..

وظلت تحية اللواء محسن الفنجري، لشهداء الثورة، عالقةً في أذهان المصريين، تضرب بعمق على أوتار عاطفتهم، دليلاً آخر على تحضُّر قادة الجيش المصري، بل كان لهذه التحية مفعول السحر، وزادت من رصيد المجلس محبة، وتقديرًا في قلوبهم، كقادة تاريخيين، واستثنائيين، بادروا بتسلم مسؤولياتهم أمام الله تعالى ثم التاريخ، برغم ما اعترى مسيرتهم من عقبات ومطبّات، بعضها طبيعي والآخر، اصطناعي، ومدبّر..، فضلاً عن عدم التعاطي الفعّال بالسرعة المطلوبة مع ملفات شائكة، وقابلة للانفجار في أي وقت، وتركها نهبًا للصدفة المطلقة دونما اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء ظواهرها الخارجة عن النص الوطني، والقيمي، سواء من بعض النخب، التي لم تَفُق من هول صدمة انزياح نعيم السلطة عنها، وهي مَنْ تماهت معه، فسادًا، ومصلحةً واستفادة، وراحت تبحث لها عن موطأ قدم لدى سلطة جديدة، بل وتفرض شروطها الخارجة عن الإجماع الوطني، الذي حدّده استفتاء مارس التاريخي، ومحاولاتها البائسة، والتي تبعث على الرثاء في إطالة أمد سلطة العسكر في السلطة، نكايةً في بعض التيارات الوطنية الأخرى، المؤهلة لحصد الاستحقاقات في الانتخابات النيابية، كعقاب لمصر لخياراتها الديمقراطية- فضلاً عن افتقار المجلس إلى خطة لإدارة الأزمات المفتعلة، والمقصودة؛ لإجهاض الثورة، وظهر ذلك جليًا في ملفين رئيسين: الانفلات الأمني المروّع، والمقصود، للحيلولة دون اكتمال الثورة؛ والثاني: تأخر رد الفعل في التعامل مع المطالبات الانتهازية التي يقودها، عمال لا ينتجون، ومعلمون لا يدرسون، وأطباء مضربون.. شكّلت هذه الظواهر حوائط سد ضخمة، أمام المجلس العسكري، وحكومة تسيير الأعمال، التي بدت مرتعشة، وغير قادرة على البناء !

وبعد الاستجابات المتوالية للمجلس العسكري تحت ضغط الشارع، وتقديم المخلوع ونجليه ووزير داخليته، وقادة أفرع الوزارة، وغيرهم من لصوص المال العام، ناهبي ثروات الوطن للمحاكمات الجنائية؛ اكتسب المجلس أرضية كبيرة، كتلك التي توهجت بها الثورة في أيامها الأولى مع صدور أول بياناتها الداعمة لحقوق المشروعة لهذا الشعب العظيم،

وبالرغم من محاولات المعاندة التي اعترت المجلس لرغبات الشعب وأشواقه في إزاحة كل شخص، تعلّق بنظام المخلوع، وبدا ذلك واضحًا في تمسكه بحكومة شفيق، وبعد ذلك بيحيى الجمل، مهندس الحوار الوطني، والذي دعا للعفو والتسامح عن رجال الحزب المحظور وما لمسه الجميع من ردة قوية إزاء الحريات العامة، سواء في المضي قدمًا في تمديد قانون الطوارئ، رغم عدم دستوريته، ثم الزعم مؤخرًا ببعث دستور 1971م الميت من جديد، بعد الاستفتاء الشعبي، وصدور الإعلان الدستوري الأول الذي ألغاه؛ ومحاولات التضييق على الإعلام الفضائي، واقتحام قناة الجزيرة مباشر مصر، بدعوى عدم حصولها على التراخيص اللازمة..! أضف إلى ذلك، تناثر الإشاعات السوداء، من محاولات إفاقة لأعضاء الحزب الوطني المحظور، وما روّج له البعض من توريط المجلس العسكري في أشياء لا يتخيّلها عقل، مثل: "الدفع بقيادات الحزب الوطني المنحل لتشكيل أكثر من سبعة أحزاب، وإتاحة كل الفرص لهم لجمع أكثر من مليار ونص مليار جنيه لترتيب أوضاعهم وتنظيم صفوفهم، ثم حجز مقاعدهم " مقدمًا" في جميع اللقاءات والحوارات والمنتديات، الرسمية وغير الرسمية، والدفع بهم مؤخرًا في وسائل الإعلام المملوكة للدولة في محاولة تجميل صورة المجلس العسكري بذات طريقة تجميل نظام مبارك السابق .. بل وبنفس الحروف والألفاظ ! مستبعدًا قانون الغدر من التفعيل بعد إقراره، انتهاءً باللغط الشديد المفتعل الذي صاحب شهادة المشير في المحكمة!

أقول: إن المجلس العسكري، وإن شاب خطواته البطء، والتعثر، وتخبط بعض قراراته خاصةً في أزمة قانون انتخاب مجلسي الشعب والشورى، ومهما وشى به الواشون، أو تربص به المتربصون، سيظل، خارج التقويم، لإخلاصه في إدارة الوطن، والذود عن حياضه، وسلامة المواطنين، منذ إرهاصات الثورة الأولى، حاضنًا وحاميًا ومشاركًا، ويبقى له أن يعلن عن جدول زمني لتسليم زمام البلاد للسلطة الجديدة المنتخبة، لتدير شؤون البلاد، لتدور العجلة من جديد.. ولن تستطيع أية قوة كائنة ما كانت بما فيها فلول الحزب المحظور، أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أمام قطار ثوري، ناهض ووثّاب، يرمق دربه بخطى واثقة، يتقدّم للأمام غير آبه بكارهي الثورة، الطفيليين الذين عاثوا فسادًا، وارتبطوا برموز نظام المخلوع، مصلحيًا، و سياسياً واقتصاديًا و ربما أسريًا ! ومحاولاتهم البائسة للالتفاف عليها.. لن تزيد الثوار إلا عزمًا وتضحيةً لولادة فجر جديد لمصر النهضة .. مصر الأمّة، الرائدة والقائدة والملهمة كما هي دومًا في سفر الوجود...!

همسة:

وللحرية الحمراء، بابٌ ..... بكل يدًّ مضرجة، يُدَقُ ...!

تابعوني على تويتر:
https://twitter.com/#!/heshamyousuf

سطو أونلاين.. وبثّ مباشر!




هشام يوسف‮ ‬   |  23-09-2011 19:59

السطو أو السرقة التي أعنون لها مقالة اليوم، ليست سطوًا إلكترونيًا بطبيعة الحال، أو نوعًا من أنواع الهاكرز، الذين يقتحم لصوصه المواقع الإلكترونية والعبث بمحتوياتها، إنما أقصد المعنى الحرفي لها، السطو بالتوافق، أو السرقة التعاونية بغير إكراه، أونلاين (الخط المباشر)، وهو غير أونلاين، تلك التقنية المبهرة، التي تتيح عرض قواعد معلومات وبيانات إلكترونية في عالم الحواسيب الإلكترونية، وخوادمها، من خلال الاتصال عن بُعد من خلال شبكات الاتصال عن بُعد المرتبطة بالحاسبات الآلية لديها ولدى المستفيدين منها في جميع أنحاء العالم.

إنما الخط المباشر، الذي أعني هو ذلك الطريق السريع الذي يربط دمياط بالمنصورة ! وبعد أقل من ثلاثين كيلومترًا من ميناء دمياط الجديدة، حيث تدوس شاحنات النقل الثقيل(التريلات)، هذا الطريق صباح مساء، محمّلة بالحاويات المكتنزة بالخيرات المستوردة وعلى رأسها السلعة الاستراتيجية، المدعومة، التي عجزنا عن توفيرها، والاكتفاء الذاتي منها في بلادنا (القمح)..

الطريف في عملية السطو أو السرقة أنها تتم بالتعاون، دون إكراه، حيث تصبح مثل هذه السرقة حالة فريدة؛ إذ يعطي مَنْ لا يملك، إلى مَنْ لا يستحق إلا الرجم ! من عطايا الدولة المؤتمن عليها في طريقه، ما شاء له أن يعطي، من مال الدولة (السايب)، دونما رقيب وحسيب !

مسرح العمليات، الذي تتم، عليه دومًا هذه العمليات وحسب شهود العيان، الذين أعياهم استلاب موارد الشعب الاستراتيجية، عبر مجموعة من المسجلين الخطر، بالتعاون مع سائقي الشاحنات الثقيلة، مقابل دراهم معدودات ! – على الطريق المباشر، أو السريع نفسه، إذ حسب المجرمون إجراء اتصالاً بسائق الشاحنة، الذي يتجه جانبًا، حيث تقبع سيارة اللصوص، الصغيرة، ثم يأخذ السائق بتلابيب دلو كبير، ويقوم بكب كميات كبيرة اللازمة في حوض السيارة السفلى، حسب (المعلوم) المتفق عليه !

تتكرر هذه المسرحية الهزلية، في وضح النهار، كما في الليل المدلهم (بث مباشر)، سواء قبل الثورة أم بعدها سواء بسواء! وعلى مقربة أقل من خمسمائة متر مربع من نقطة تفتيش أمنية، القابعة في مدخل محافظة الدقهلية، قبل مدخل دمياط مباشرة، قد تكون هذه القوة الأمنية على دراية بمثل هذه المهمة، أو غضّت الطرف عن مثل هذه العملية الإجرامية، مقابل توظيف مثل هؤلاء المجرمين لتسهيلات، وتشهيلات في مناسبات أخرى!

هذا المشهد البائس، الذي رأيته بأمّ عيني، وانزعجت منه كثيرًا، كما الكثيرون من سكّان هذا المكان (الهادي)، والذي لا يأبه لغضبة الرب قبل العبد، ولا بتلسين المارة، أو موالسة الأمن لتكراره الكثير، قد يكون حلقة أولى أو وسطى في مسيرة الشاحنة حتى الوصول الآمن، بالطبع دون الغلال المسلوبة، إلا النزر اليسير، ذرًا للرماد في عيون المستلمين بمحاضر بالطبع وهمية لتطابق محاضر بعض سائقي الشاحنات، وليرحم الله موارد الوطن المستباحة ! كما يثير هذا المشهد في الوقت نفسه، علامات استفهام حول ضوابط الجودة والمراقبة للسلع المستوردة من حيث التسلُّم والتسليم؛ وترك عمليات التسليم نهبًا لقطّاع الطرق، وبعض سائقي الشاحنات الذين ماتت ضمائرهم وتوارت خلف النسيان!

تواصل مثل هذه العمليات القذرة، بعد الثورة يشي بأن الفساد لم يعد للرُكب، كما أطلق عليه، كبير سدنة المخلوع، بل وصل الفساد الزبى !، ويؤكّد بما لايدع مجالاً للشك أن الثورة لم تصل لهؤلاء المجرمين، الذين خانوا الأمانة، واستباحوها في عرض الطريق، وأن الفساد مازال متجذّرًا في تلافيف أمخاخ بعض الخونة من موظفي الدولة ..!

هذا بلاغ لمن يهمه الأمر، سواءً في ميناء دمياط الجديدة، لضبط جودة واردتها، وعدم انتهاء مهمة رجالها عند حدود تسليم البضاعة للشاحنات، بل بالمتابعة المستمرة، والتأكُّد بوصول الشاحنة، بشحمها ولحمها وغلتها ! وبلاغ في الوقت نفسه إلى رجال الأمن الشرفاء، الذين نأمل منهم الكثير، في المرحلة المقبلة من عمر الوطن، ليكونوا عونًا، وأبناءً مخلصين له، بأن يبادروا بملاحقة مثل هذه التصرفات الإجرامية، التي تنال من قوت الشعب الغلبان..، وتشكّل في الوقت نفسه، استنزافًا وهدرًا لموارد الدولة، ويبقى تفعيل القانون لمثل هذه العمليات أداةً لردع أمثالهم الذين، أدري أنهم قد اصطفوا في مكان آخر، ليأخذوا حصتهم (المعلومة) من مال الشعب السايب !

همسة:
من أمن العقوبة، أساء الأدب ...!

المتحوِّلون لا يختشون ..!




هشام يوسف‮   |  18-09-2011 22:50

استمرارًا للحديث عن الكائنات الطفيلية التي تسلقت حياتنا، وداست على جسد الوطن المستباح، ولم تُعر قضاياه اهتمامًا بقدر ما يُرمى إليها من فتات، دراهم معدودات..، هذا الفتات قد يكون دكانة صحافية ، أو برنامجًا تليفزيونيًا؛ أو تسهيلات وتشهيلات لرجال أعمال في وطن مستباحة أراضيه؛ أو تأهيله، ليكون واجهة اجتماعية مناسبة؛ أو رئاسة حزب، يستكمل الشو الإعلامي، وديكور أحزاب بير السلم! أو غيرها من العطايا الكثيرة(شيء لزوم الشيء!) التي أفسدت حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية، والاقتصادية، استمرارًا لتواجد هذه الكائنات، يكثّف الإعلام الخاص، أو فضائيات رجال المال والإعلام، المعروف انتمائهم إلى الحزب المحظور، وفلوله، تسليط الضوء على أشباه الرجال، الذين لعبوا على جميع الحبال، واستطاعوا بمهارة أن يمسكوا العصا من المنتصف.. طوال النظام البائد، مرورًا بأيام الثورة، حتى الآن ..

هذه الكائنات الغريبة، المعروفة بالحنجورية، يتمثّلون زعيمهم، مواقف زعيمهم وقائدهم (الأستاذ)، الشبر بالشبر والقذة بالقذة، صاحب قعدة المصاطب إياها، الذي أثبتت حكاوي القهاوي إياها أنه لا يتحدّث سوى عن الأموات من الرؤساء والزعماء، والقادة...؛ ومن الطريف أنه في المرة الأولى التي تحدث فيها عن أحد الأحياء (المخلوع)، استدعته النيابة العامة، فتنصّل مما قاله، وألقى باللائمة على مَنْ نشر له الحوار!

هؤلاء الصحفيون، أغدق عليهم النظام من ذهب المعزّ الكثير والكثير؛ ليقوموا بدورهم المرسوم، دائمًا، معارضين أطراف النهار، وجلساء الوالي آناء الليل.. وفق سياسة: الرأي والرأي الآخر؛ وخالت مواقف هؤلاء على البسطاء والعامة، فاعتبروهم نموذج للمعارضين الشرفاء! بل وصل الافتتان بهم درجةً أن عدّوهم رموزًا وطنية...! سهّلوا للبعض منهم إصدار تراخيص لدكاكين صحافية وإعلامية، أسبوعية، لها سياستها النفعية التي أتخمت جيوبه، عبر الابتزاز الرخيص للشركات الوطنية، لصياغة عقود إعلانية، فضلاً عن مشاركة البعض منهم في مهازل أمن الدولة لتخريب أحد الأحزاب الصغيرة، التي هي في الأصل خربانة ! وفق سيناريو معلب، وجاهز، مشابه إلى حد كبير لما نفّذوه جيدًا في حزب العمل مستخدمين فنان معدوم الموهبة لمناهضة رئيسه الشرعي، المجاهد إبراهيم شكري، رحمه الله! ولم يردعه عن الاستمرار في موقفه إلا تعليمات من أمن الدولة!

فتحت لبعض هذه الكائنات عدد من الكنوز والخزائن، عبر المتاجرة بالقومية العربية، وعاش حينًا من الدهر على صدام حسين، ثم الرئيس (المخلول)القذافي، بدعوى مهاجمة الإمبريالية الغربية والعالمية، التي كانت ترعى مَنْ صنعوه على عينهم ! وأخذ يمرح هنا وهناك، ببرامج لدى فضائيات أصحابه رجال الأعمال المشبوهين، أو قنوات القذافي!

هذه العينة، من الصحافيين، والإعلاميين، تعوّدوا على الإبهار، والأضواء، شأنه، في ذلك شأن جميع المتحولين، استطاعوا إدارة أزمة الثورة ببراعة، وبسرعة لافتة للأنظار، وكثّفوا من هجومهم على رموز النظام البائد، بل وتوظيف ما في جعبته من معلومات، بحكم قربه من صنّاع القرار، وأمن الدولة، في تقديم الشكاوى للجهات القضائية، ضد المخلوع وزوجته، وأبنائه، وهم مَنْ هم في فكره وسياسته التحريرية قبل الثورة؛ وظّفت هذه الكائنات كل ذلك كطريق ممهّد لقلوب البسطاء من الشعب، وكمحاولة مكشوفة للتغطية على مواقفهم المشينة طوال الثمانية عشر يومًا للثورة المبهرة والنبيلة..

الأنكى والأشد إيلامًا هذه الأيام أن يظهر أحدهم بوصفه مؤرخًا، وموثّقًا لأحداث الثورة، وتقديم نفسه كـملهمه: (الأستاذ) الوحيد العالم ببواطن الأمور أثناء الثورة وفعالياتها.. وفي الوقت الذي ترفّع فيه أعضاء المجلس العسكري عن الخوض في الحديث عن أسرار هذه الحقبة من تاريخ مصر المجيد؛ رأينا أحدهم، كأستاذه يسرد حكايات وقصصًا مسلية للغاية، تغني عن التسالي بكيس لب سوبر ! عن علاقة المخلوع بالمشير، وعلاقة رئيس الأركان بهما، وعلاقة الوريث بالجيش، وتمجيد الأخير بعدما انطلى للجميع موقفه من الأول على مواقع اليوتيوب، في محاولة مكشوفة و(مهروشة)؛ عسى أن يحظى بالمكانة السابقة، التي سلبته منه الثورة !

بعد إعدام صدام وفرار الرئيس المخلول، وسقوط المخلوع، مازال المتحولون، يمارسون هواياتهم المرذولة، وبدأوا مبكرًا في تقبيل بيادات العسكر ..!

أيّها المتحولون، مَنْ اختشوا، ماتوا ..!

همسة:
لا خيرَ في ودِّ امرئ،(متحوّلٍ) **** يميلُ مع الريح حيث تميلُ !

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

لنع جيدًا سبوبة التحرير ..!


هشام يوسف | 16-09-2011 04:15

قامت الثورة، لإسقاط نظام اجتماعي ظالم، رأسه فاسد،عُرف بعناده وصلفه للحيلولة دون تطلعات شعبه؛ وتغيير حكومة أكثر فسادًا. وهدم سدنة هذا النظام المنافقون، والموالسون، الذين عُرفوا بالطبقة الطفيلية، الذين نظّروا للانتهازية السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والفكرية و الثقافية..، وطالما وظّفت مصالحها، وربطتها بهذا الفساد المستشري..، بل ربطت بقاؤها ببقاء النظام البائد.. وراهنت بغباء شديد منقطع النظير على ذلك، وما موقعة الجمل عنّا ببعيد !

الثورة إذن قامت لتهدم المعبد على رؤوس كهنته وسدنته وأصحابه، وتنقل السلطة من أيدي هذه الطبقة المتسلّطة، إلى أيدي طبقة أخرى مسؤولة، صاعدة لم تلوثها البيئة الفاسدة البائدة، وإن تأثّرت سلبيًا بما حدث ولذلك ثارت عليه؛ انتزاعًا لحريتها، وتحقيقًا لأهدافها المبتغاة: عيش؛ حرية؛ كرامة إنسانية..

وقد شكّلت جُمع الثورة، اللحظة الأكثر حرجًا، وحِدةً في الصراع: صراع البقاء من أجل السلطة، وصراع الخلاص من هذا الوباء المتسرطن الذي تمدّد على جسم الوطن طوال ثلاثين عامًا .. وبفضل من الله، ثم دعم من قواتنا المسلحة، التي تعهّدت منذ البداية بعدم الاعتداء على هذا الشعب العظيم، وتفهّم مطالبه العادلة؛ تحقّقت الكثير من مطالب الثورة المهمة، وتأتي المطالب الأخرى تباعًا..

وبالرغم من هذه الثورة المباركة، بتضحياتها النفيسة، ودماء شهدائها الزكية، لم تتوارى هذه الطبقة الطفيلية، النفعية، وهي طبقة، معروفة، تحمل كل أرخبيل الصاخب، من رجال الأعمال المشبوهين، فلول الحزب الوطني المحظور؛ مرورًا بسياسيين، وعلماء دين إسلامي ومسيحي على السواء ! وصحافيين، وإعلاميين، ومثقفين مقرّبين إلى القصر- هؤلاء المعبّرون عن النظام السابق، قد طلّوا برؤوسهم من جديد، عبر برامج وفضائيات وأحزاب ليبرالية، وشركات إعلامية مغسولة ماليًا ..، وهم أنفسهم الذين يتأهبون الآن للقفز على الثورة، والسطو على مكتسباتها، ابتداءً من تحقيق سياسة وضع العراقيل، انتهاءً بنقل عدوى التمويل الأجنبي إلى بعض الثوار الشباب، مرورًا بعسكرة الثورة، وتحريض بعضهم على العنف؛ واستنساخ جيل جديد، وتدريبهم على كل أشكال الفساد التي مارسها هؤلاء مع النظام السابق ..!

مؤخرًا، ركب هؤلاء موجة الثورة، باعتبارهم وطنيين، مخلصين وأحرارًا، فتحركوا في جمعة تصحيح المسار السابقة على أكثر من ميدان لإحداث جلبة مفهومة؛ تنذر بفوضى عارمة، وغير خلاّقة لا تبقي ولا تذر، لا سمح الله تعالى؛ لمحاولة تأجيل استحقاقات الثورة، وإطالة أمد الحكم العسكري، ثم إعادة عجلة الزمن إلى الوراء .. وكأن شيئًا لم يكن!

ليحذر شباب الثورة الواعي،من محاولات التغرير بهم، والسير في مخطط الفلول الطفيليين، الذين عادوا من جديد عبر فضائيات، وصحف، وأحزاب معروفة، تتاجر بميدان التحرير، معتمدين على سماحة الشعب المصري، والرهان دائمًا على فضيلة النسيان ! واستخدامهم مخالب قط في إحداث فوضى وتخريب وحرق وسلب ونهب، كما ظهر ذلك في النسخة التجريبية مساء جمعة تصحيح المسار !

وتبقى كلمة أهمس بها في أذن ثوارنا: لتبقَ شعلة ثورتنا، سلمية متوهجة، بالتظاهر المبدع الخلاّق، الذي أبهر العالم طوال ثمانية عشر يومًا ..، ولتعملوا جميعًا على إعادة روح التحرير بإعادة اللحمة الوطنية للشعب بجميع أطيافه، فأنتم مَنْ تستطيعون قلب الطاولة في وجه الجميع، سواءًا كان طفيليي النظام السابق أم متربّص خارجي للالتفاف على ثورتنا المبدعة ..

التاريخ ينبئنا أنه لا يمكن لأية ثورة أن تحقّق انتصارًا حقيقيًا على الأرض، ما لم يتم تأسيس نظام جديد، يرتكن إلى هذه الطبقة الثائرة، القادرة على لملمة أشتات الأغلبية الصامتة حولها ..!





تابعوني على تويتر:
https://twitter.com/#!/heshamyousuf

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

لسنا قطيعًا من الهمج ..!



هشام يوسف‮   |  13-09-2011 01:36

جميلة تلك الدعوات التي تدعو إلى تنشيط الثورة، وجعل جذوتها مشتعلة ومتّقدة، على الدوام، عبر آليات وبرامج توعوية، لترسل رسائل عدة، منها: ثبات الثوار على مبادئهم، وإيجاد حالة حراك دائم، يعطي ضغوطًا إيجابية على الحكومة ومجلسنا العسكري، اللذين هم بحاجة دائمًا أننا في حالة ثورة، تحتاج إلى تعامل خاص، تعامل يراعي مصالح مصر الداخلية والدولية، وفي مقدمتها توجيه رسائل بغرض تطمين المجتمع الدولي، وتأكيد استقرار البلاد بالفعل وليس القول، بما يساعد على جذب الاستثمارات، وضمان عودة حركة السياحة إلى ما كانت عليه قبل رحيل المخلوع !

كانت جمع الثورة، موعدًا مهمًا وملهمًا للقيام بحالة التنشيط هذه، والإفاقة الدائمة للثوار والحكومة على السواء، وكان لهذه الجمع مفعول السحر، في التعجيل بمحاكمات الرئيس المخلوع ووزير داخليته، وأعوانه، وبطانته من الوزراء، والمنتفعين ومتورمي الكروش من مال الشعب السائب، بلا رقيب ولا حسيب !

هذه الجمع كان يجري حولها تنسيق بين القوى الوطنية المتنوعة، واتفاق مبادئ على مطالب معينة، تحظى بالتوافق الوطني في حدوده الدنيا..، حتى جاءت الجمعة الماضية، أو ما سمّي جمعة تصحيح المسار، دون توافق وطني على حدودها الدنيا، حيث بدا خطف قوى معينة لفعالياتها، دونما تنسيق بين بقية القوى والائتلافات الثورية المشاركة، بدعوى تجديد المطالب، بالرغم من اشتعال الجو بالشائعات التي ربما أسهمت في إحجام سواد القوى الوطنية عن المشاركة في فعالياتها، تجنبًا لمزالق مواجهات عنف، قد تصل إل‍ى الدموية، كما حدث في ليل الجمعة المذكورة !

سارت فعاليات الجمعة على أفضل ما يكون، ولم يعكر صفوها سوى محاولات البعض استعمال العنف، واستخدام آلات حادة، هيّمنت على روح التحرير لأول مرة منذ قيام الثورة؛ وقد تبعث هذه الحالة على استقصاء علمي وعملي لهذا التوجّه العنيف في مسار الثورة، وهم خرجوا أصلاً لتصحيح مسارها! وكأنه تعديل إلى العنف والدعوة إلى إسالة الدماء الذكية بدم بارد !

وفي ظني أن المحرّض على ما حدث حول السفارة الإسرائيلية ومحاولة اقتحامها، وإنزال علمها للمرة الثانية، ليس هو الوريث السابق للمخلوع، بقدر ما هو تصرف أرعن من حكومتنا الرشيد، حينما قامت بتكريم منزل العلم في المرة الأولى، وحينما منحته محافظته شقة، ووظيفة جزاءً وفاقًا ! أقول ذلك بالرغم من اتفاقنا على عقيدة الشعب المصري الكارهة لصهيونية إسرائيل، وعدوانيتها، وتوسعاتها، ولكن تبقى في الأخير، هي سفارة لمجموعة من المعاهدين، والمستأمنين على ممتلكاتهم وأعراضهم.

تعاملت الحكومة مع الحدث– تعاملوا مع الحدث بغير مبالاة دونما اكتراث لسُمعة ومكانة مصر في العالمين ..! ناسين أو متناسين أن ذلك يعارض مبدأين مهمين ‍ مبدأ شرعي صادر من ديننا، ومبدأ قانوني دولي، يحصّنه المنظمات الدولية ذات العلاقة، أما الأول فديننا الإسلامي، قد أمَّن غير المسلمين في ديار الإسلام على عرضهم ومالهم ودمهم، فالمستأمن هو الكافر - يهوديًا كان أو نصرانيًا أو غير ذلك - الذي أخذ الأمان بدخول دار الإسلام من ولي الأمر أو آحاد المسلمين، (ولي الأمر الآن فقط)، وقد حرَّم الله تعالى دم المستأمن وماله وعرضه، وهذه الحرمة ثابتة بالكتاب والسنة والعقل وأفعال الخلفاء والصحابة وأهل العلم على مرِّ الزمان، فلا يحل لأحد أن يتعدَّى عليه في عرضه أو ماله أو دمه.

أمّا القانون الدولي، فيحمي السفارات الأجنبية، حيث تتمتع بحزمة من الحصانات التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية باعتبارها جزءًا تابعًا للدولة التي تمثلها، وبالتالي فإن مصر تتعهد وتلتزم بتوفير حماية كاملة لمقر السفارة الإسرائيلية فلا يجوز اقتحامها أو تفتيشها أو إلقاء القبض على أحد فيها أو فرض ضرائب عليها، أي إنها محصَّنة شخصيًا وقضائيًا وماليًا، حسب ما ذكره خبراء القانون الدولي .

لسنا في معرض الدفاع عن رفع العلم الإسرائيلي أو إنزاله، أو الهجوم على من أساؤوا لمصرنا في العالم أجمع بهذه الهجوم العبثي، من مجموعة من الشباب، الذين قد يكونون مفتونين ومبهورين بما أقدم عليه بطل إنزال العلم في المرة الأولى، ويحلمون بمكافآت وعطايا مثلما حظي الثائر الأول من عطايا حكومية ! أو أنهم مجموعة من المغرّر بهم، تدفعهم جهات (فلول الحزب المحظور)، لا تريد الخير لبلادنا في المرحلة المقبلة ...!

ليست بطولة أن يتم تنزيل علم سفارة ما حتى لو كانت إسرائيل ...! وليست بطولة أن تقتحم سفارة دولة حتى لو كانت صهيونية ، لسنا قطيعًا من الهمج والغوغائيين..! مصر أكبر من مشهد اقتحام السفارة، ومقر وزارة الداخلية، واقتحام مديرية أمن الجيزة، التي راح ضحيتها 5 قتلى وأكثر من ألف جريح !

أكبر ظني أن مصر خسرت أضعاف أضعاف، ما يبدو أنه تعاطف شعبي إزاء المشهد المأساوي في اقتحام سفارة العدو، وليس من قبيل الصدف أن يستثمر العدو هذا الحادث ليروّج في العالم لغياب الأمن والأمان في مصر التي سقطت في قبضة البلطجية، والشبِّيحة والغوغائيين واللصوص والمسجلين الخطر والخارجين علي القانون الذين يحاولون الآن سرقة ثورتنا ..، ودفع المجلس العسكري إلى خيار لم يكن يحلم به أي ثائر من ذي قبل .. فرض الأحكام العرفية وإطالة أمد العسكر مرة أخرى !





رابط المقال في صحيفة (المصريون):

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=77364

الجمعة، 22 أكتوبر 2010

انطباعات عن الشخصية السعودية (1)



هشام محمود يوسف


فعل الكتابة الاجتماعية، الراصدة، أو الناقدة، أو حتى تلك المستطلعة، من أهم الأفعال الكتابية؛ بل وأصعبها، التي يجب أن تؤخذ باهتمام؛ وينصت لها الجميع بعناية فائقة، فعندما ترى مجتمعًا ما من خلال أبعاد تحليلية؛ فإنك لامحالة، ستبصر الحقيقة بأمِّ عينيك دون التحدث عنها فقط.

والكتابة عن قضايا المجتمع وطبيعته ليست جانبًا سلبيًا محضًا مهما كانت مفعَمة بالسلبيات أو غيرها، بل كلما كان المجتمع أكثرَ وضوحًا في قيمه وثقافته المتبادلة بين مواطنيه؛ دلَّ ذلك على واقع هذا المجتمع ووضوحه دون رتوش..، وكلما كان المجتمع يصعب فهمه كان ذلك دليلاً على ازدواجية خطيرة بين أنساقه الثقافة الاجتماعية..



وفعل الكتابة إذا صدر عن راصد ليس من رعايا ذلك المجتمع، مثل انطباعات المقيمين فيه، والزائرين له؛ تزداد أهميته؛ ففي علم الإنسانيات والاجتماعيات، يعدُّ الغرباء هم جماعة الاستبصار الذين يمنحون الباحث المعلومات والانطباعات الحقيقية عن المجتمع بحكم أنهم لم يكتشفونه بعد؛ وأحيانًا اقترابنا من اللوحة قد يحجب بعض تفاصيل الرؤية الجيدة، ومن هنا تأتي مسافة البعد مهمة لتتضح الرؤية.



وهكذا فعلت في تحرير هذه الجزئية عن الشخصية السعودية المعاصرة التي يمثّل الحديث عنها أهمية بالغة؛ في وقت يشهد فيه المجتمع السعودي تغيّرات مهمة وطفرة أخرى اقتصادية غير تلك التي حدثت في مطلع عقد التسعينيات الهجرية /السبعينيات الميلادية وباتت هذه ا لتغيّرات مثار نقاش على كل المستويات .. و الوعي بهذا التغيّر الذي أصاب الشخصية السعودية كفيل بأن نتلّمس الأزمة التي يعيشها مجتمعها، التي لم تعد مجرد مشكلة على مستوى الفرد بل تجذرت وازدادت عمقًا ..



ثمة حقيقة لابد من تجليتها وكشفها؛ وهي أنني أكن ودًا وحبًا كبيرين لهذا الكيان المسلم والعربي الكبير..المملكة العربية السعودية ؛ حتى لا يُفهم هذا العمل المتواضع خطأً؛ ويبدو بعيدًا عمّا أردتُ أن يظهر عليه من تقديم صورة مفصّلة للشخصية العربية السعودية دون مجاملة كما عايشتها، وكما لامستها، وهي صورة بالطبع بشرية ! ودعونا نتعامل معها على أنها من الكائنات البشرية التي تصيب وتخطيء! وتجد وتلهو ! بل وتأكل وتمرض، وتمشي في الأسواق وما أكثرها!



ولنكن موضوعيين في ا لحديث عنها حتى لا تحتمل أكثر مما تحتمله ؛ فعدم الحديث عنها بهذا الشكل في زعمي قد سبّب لها بعض المشكلات التي ثارت في جنبات الإعلام الدولي..؛ فهي إذن شخصية بها قدر من الإيجابية و بها قدر أيضًا من السلبية.. ولعل الله تعالى يوفقني في رصد كل منها على حدة بحياد دون شطط.. وتجريح أو نيل من أحد..؛ فهي قراءة للمجتمع الذي عشتُ فيه ردحًا من الزمن ـ وأتمنى له كلّ خير وازدهار.
إنني أومن ـ ومازلت ـ أن المجتمع السعودي في العقد الأخير كان أكثر المجتمعات العربية والإسلامية التي تعرّضت للظلم البيّن خارجيًا ؛ كما كان ضحيةً لأحداث مؤلمة داخليًا؛ فتعرّض مواطنوه لأحداث إرهابية راح ضحيتها المئات من الأبرياء من المواطنين والمسلمين والعرب والمستأمنين بغير وجه حق ..



لقد تعاملتُ بحكم عملي الإعلامي في المملكة مع شرائح مختلفة من المجتمع السعودي .. علمائه ونخبه؛ والسواد الأعظم لأكبر من هذا المجتمع العربي المسلم..؛ فألفيتهم مجتمعًا ودودًا بشوشًا هاشًا، باشًا، متدينًا؛ يحرص كل الحرص على أن يلم بأساسيات العلم الشرعي الذي تقوم بها شؤون حياتهم وتعاملاتهم.. يتحرّى معظمه الحلال وإن وجدتَ بعض الملاحظات عليهم! و لكن الخير ستجده في الغالبية منهم.. يُكِنون للعلماء وطلبة العلم الشرعي كل احترام وحب وتقدير؛ ويعدونهم قدوتهم ؛ فلاعجب من أن تراهم دائمًا يتحرون سؤالهم في كل ما يُشكل عليهم من أمور دينهم .. ويسعون دائمًا إلى التجمّل في الأعمال حتى تصل إلى درجة التمام وإن اختلفوا في درجات التدين أو دركات الانخراط في الملذات!



كان للحوار الوطني مفعول السحر في المجتمع السعودي؛ إذ فتح آفاقًا واسعة للقضايا والموضوعات محل التناقش والتدارس والتحاور و التباحث والتواصل والتفاعل مع الآخر المحلي والإقليمي والدولي؛ وكان من آثاره المتفتحة الكبرى انطلاق الرؤى الوطنية التي قدّمت آراء ناقدة، مقوّمة لمسيرة الشخصية السعودية؛ ولعل ذلك من الأسباب التي شجعتني على تسويد هذه الصفحات جنبًا إلى جنب مع ظهور بعض الظواهر السلبية خصوصًا في الأجيال اللاحقة، ومنها سمة السلبية واللامبالاة وتضخم (أنا) التي ضجت بها الشخصية السعودية بشكل واضح، تعكسه المواقف اليومية في الحياة السعودية: أماكن العمل وفي الشوارع ناهيك عن رحلاتهم السياحية..



مؤتمرات الحوار الوطني الثمانية وربما التسعة ـ كانت فرصة مناسبة لتدشين أول قاعدة ثقافية يمكن الانطلاق منها نحو صياغة خطاب ثقافي وطني؛ وتخفيف حدة التمظهرات الثقافية الخاصة. ولكن رويدًا رويدًا سرعان ما أن تحوّلت إلى ساحة لاستعراض الثقافات الخاصة وليس لالتقائها فضلاً عن الاتفاق على الحد الأدنى بين رعاتها من أسس خطاب ثقافي وطني مشترك..؛ فقد عاد رعاة الثقافات الخاصة من المؤتمرات وهم أشد التصاقًا بالذات الثقافية الخاصة، سوى بعض التعبيرات المبهمة، والمتوهمة وذات الصبغة الدبلوماسية بحسب مقتضى حال الحوار الوطنى! والتي تبعث ـ أي تلك التعبيرات ـ مجرد إشارات اطمئنان خافتة وفي بعض الأحيان غامضة.



ربما كان مطلوبًا إلى مركز الحوار الوطني أن يولي ضمن استهدافاته الرئيسة اهتمامًا بتنشئة خطاب ثقافي وطني، لا أن يكون مجرد إطار لملتقى الفرقاء. فما خطط له المسؤولون عنه لإشاعة ثقافة وطنية ربما لم تثبت النتائج العملية نجاحها، والسبب في رأيي أنه قد يعزو إلى توهُّج بعض الثقافات الخاصة فضلاً عن أن الثقافة السعودية ـ إن جاز هذا التعبير - لم تكن تمتلك مقومات حقيقية؛ فقد أعيد طلاء الخطاب الثقافي التقليدي بلون سعودي فحسب!



لذلك رأيت أهمية أن أعزِّز رأيي بشواهد من كتّاب ومفكرين سعوديين أنفسهم حول هذه الشخصية المحيّرة.. مبتدئًا بمفهوم الشخصية السعودية والتغيّر الذي طرأ عليها؛ فمن الثابت أن الملامح العامة للشخصية السعودية التي ميزتها لفترات طويلة قد طرأ عليها تحولات متنوعة ـ إلى حد كبير ـ ألقت بظلالها عليها بالرغم من وجود جهود متناثرة هنا وهناك بذلت لرصد بعض جوانب هذا التغيّر في ظل غياب خطة عامة موجهة لهذا التغيّر الحادث في هذه الشخصية؛ وبالتالي في المجتمع السعودي من هنا تتجلّى أهمية وضع استراتيجية لتوجيه التغيّر في المجتمع السعودي نحو التحديث وإقامة مجتمع المعرفة..
ومن هنا حدّثت نفسي في تناول هذا الموضوع الشائك الذي قد يحدث جدلاً واسعًا ولكنه في الأخير جدل إيجابي؛ فحسبه محاولةً الاقتراب من الشخصية السعودية المعاصرة، وما تتعرّض له من عوامل مؤثّرة في ظل الظروف المحيطة.. مذيلاً إياه بآليات الضبط الاجتماعي. فقد تثار أسئلة بعينها: لماذا الشخصية السعودية؟ وماذا عن العروبة؟ وما الشخصية السعودية؟ والاهتمام بهذه القضية وإثارة الأسئلة بشأنها أمر إيجابي؛ يبشّر بأنها بدأت تأخذ بعضًا من الاهتمام وإن كان ليس بالقدر الذي تستحقه؛ فهي شخصية لا تحتاج إلى تعديل بقدر ما تحتاج إلى السعي لاستعادتها وإنقاذها من ممارسات دخيلة أحيانًا على أصالتها؛ ما يعني أن المطلوب: فهم الشخصية السعودية الأصيلة ودعم إيجابياتها وصقلها وإزاله الغبار الذي ترسَّب عليها والصدأ الذي لحق بها؛ فستر بهاءَها ذلك الذي عُرفت واشتهرت به؛ ما أعطى انطباعا خاطئًا عن جوهرها ومقوماتها الإيجابيه الدفينة فيها؛ وهي مقومات تبرز للسطح دائمًا وقت الأزمات والمحن ثم سرعان ما تتوارى بعد ذلك! .. وإني من المؤمنين بأصالتها رغم ما يصيب النفس من الإحباط أحيانًا بفعل الممارسات المكتسبة عليها !



فلا أعتقد مثلاً أن هذا القلق أو هذه التساؤلات المشروعة حول ما حدث للشخصية السعودية أو الحال الذي آلت إليه كان أكثر إلحاحًا منه اليوم من أي يوم مضى! والأسباب ليست خافية أو عصيّة؛ فالعالم كله يتأثر ببعضه وتجتاحه تيارات معينه تفرض نفسها بأساليب متنوعة والسعودية كوطن في موقع وفي موقف يجعلها أقل مقاومة أمام المتغيّرات والإغراءات والضغوط!!



و الاعتزاز بالشخصية السعودية هو جزء من الاعتزاز بالأصالة السعودية والتراث العربي الأصيل على مدى مراحله؛ وهو سلاحها في خضم كل ما يجرف العالم الآن من تغيّرات فكرية وسلوكية تتهدد الجميع؛ ما قد تفقد بها البشريه تنوعها المبدع؛ والخلاَّق الذي يستمد منه الكون قوته وتوازناته !
الشخصية السعودية شخصية أصيلة ؛ وفي كثير من الجوانب فريدة..الحفاظ عليها مسؤولية إسلامية؛ وعربية؛ ووطنية؛ وأخلاقية... وهي تأثرت في الفتره الأخيرة أكثر ما تأثَّرت عبر العقود الماضية؛ وذلك لأسباب كثيرة : دولية واقتصادية وسياسية... واليوم يبدو أن الشخصية السعودية والسلوك السعودي عمومًا أصبح مزيجًا من الثقافة الغربية وعلى الأخص الأمريكية في قشورها ومظاهرها وليس في مزاياها كمصادر قوتها والثقافة النفطية في قيودها دون إمكاناتها !



إنَّ الشخصيه السعودية التي استوعبت سائر مخرجات الحضارات التي لم تخطفها أي منها بل تواصلت معها تتأقلم ولا تتبدل .. تتأثّر دون أن تذوب فيها.. وهو أمر يعدُّ في حد ذاته علامة من علامات الأصالة التي أشرت وقلت عنها: إنها شخصية أصيلة..؛ فبقي لديها إلى اليومَ بصمات ولمحات وخصائص وسمات قد تصل بين اليوم والماضي السحيق.



والقضايا التي تثيرها مسألة الشخصية السعودية تتمثّل في العوامل الدينية ؛ والجغرافية؛ والتاريخية؛ والسياسية؛ والاقتصادية؛ والطبيعية؛ والاجتماعية؛ والثقافية؛ التي أثّرت في تكوينها؟ وما سماتها ومزاياها، كما بلورتها هذه العوامل؟ ثم ماهية العلاقة بين الشخصية السعودية أي الخصوصية الوطنية والعربية؟ هل هي علاقه تصادم وتنافس أو تعايش وتعاون؟

يُتبع ........



للتواصل: mohry2008@gmail.com


الاثنين، 11 أكتوبر 2010

هل يحتل الكتاب الإلكتروني مكان الكتاب المطبوع ؟!





إشكالية إحلال الكتاب الإلكتروني محل الكتاب المطبوع تصطدم بعقبة كأداء، تجعل مناقشتها من الصعوبة بمكان؛كون الأجيال المشغوفة بالكتاب المطبوع منحازة له ، وهي تمارس الكتابة له وعنه، أما الجيل الجديد المتجه إلى الكتاب الإلكتروني- إن صحت هذه التسمية- تعمل في مجاله وتدور في رحاه؛فتراها تتحمس له، ولا تكتب إلاعنه؛إذن نحن أمام جيلين قد يكون بينهما هوة متسعة، وما من علاقة تربط بينهما؛ لذلك هذه القضية يعوزها جيل محنك قادر على أن يكون له رؤية مستقبلية، وجيل حديث قادر على ألا يقطع صلته بالماضي والتراث.
وثمة تساؤل يحِّير الجميع :هل انقضى عصر الكتاب المطبوع على الورق؟ وهل بدأ عصر جديد تعتمد فيه القراءة على الكمبيوتر فحسب؟ التساؤل من هذه الناحية يعتمد على ثقافة الصراع لا الحوار،والإقصاء لا التفاهم والإبعاد لا التقارب؛فلماذا لا نعمل على أن يعيش الكتابان معاً جنباً إلى جنب، يعطي كل منهما الآخر، دون صراع أو منافسة أو اصطدام أو حتى إقصاء ؟!
لانشكك في أن التقدم المذهل والمتسارع في مجال الحاسب الآلي والبرمجيات والإلكترونيات يجعلنا قبالة عصر حديث ومتطور..،يثور على مطبعة جوتنبرج؛لتعتمد القراءة من ثم َّ على الشاشة الفضية الصغيرة، مبشرًا بانتهاء المكتبات العملاقة، وإن بقيت فسوف تصبح كتبها في حيز ضيق، توضع فيه اسطوانات مسجلة عليها آلاف الكتب، ويستطيع « القارئ» أن يتعامل معها في براعة ودقة، مستغنياً عن الأوراق، مكتفياً بما يمنحه إياه الحاسب الآلي، عارضاً المادة بشكل جديد، وبأسلوب يتفق مع هذا الجهاز، فضلاً عن استخدام السيناريو والرسوم.. ؛فقد يكون هذا التغيير ـ مثل أي تغيير ـ للأفضل أو للأسوأ.
فنحن نرفض أن يلغي هذا الجيل ما سبقه من أجيال ونقصي ملامحه ومفاهيمه؛فلكل عصر ملامحه ومفاهيمه ولابد أن يكون هناك تواصل واستمرار ومساعدة ومناولة في إطار يضمن ديمومة الحركة الثقافية والاجتماعية برمتها،وعلى الرغم من هذه الثورة التقنية الكبرى وبروز الكتاب الإلكتروني مناطحًا غريمه المطبوع؛ إلا أنني أجزم بأن الكتاب الإلكتروني لن يمكن أن يحل محل الكتاب الورقي المطبوع؛لكونه آلة تفتقد إلى التخاطب والتواصل ؛لن تعوّض معها متعة القراءة ،إذ الكتاب الورقي معروف عنه التواصل والحميمية بينه وبين قارئه؛فيستغرق الأخير معه و يستشعر رؤية المبدع،ويتسع خياله آفاقًا وأبعادًا أرحب ؛فهو الوسيلة المثلى لاستشعاره خيال المتلقي وتحفيزه نحو الإبداع..وهذا ليس انتقاصًا من دور الكتاب الإلكتروني الذي أتصور أنه له دور مهم جدًا باعتباره حافظًا للتراث العربي والإسلامي والإنساني؛وهذا شيء مهم ومطلوب حاليًا؛فبعد أن كنا نحتفظ بسجلات ومجلدات تملأ غرفًا ومستودعات؛باستطاعتنا الآن حفظ (500) مليون مجلد على أسطوانة مدمجة واحدة،وعربيًا كما هو عالميًا الكتاب الإلكتروني ،مازال عاجزًا على تقويض دور الكتاب الورقي الذي يمثّل أقدم وسيلة معرفية ...
ولكن ماذا عن المستقبل؟ في المستقبل يمكن لكل شيء أن يتغير لكن أي تغيير عندنا نحن العرب ،يبقى في إطار عاداتنا وسلوكنا،وهذا ينطبق على علاقتنا مع الكتاب أيضًا ؛إذن الكتاب باق،وهذه مسؤوليتنا كناشرين وكتَّاب ووزارات ومؤسسات معنية بالهم الثقافي والمعرفي ..
ومهما تعددت وسائط المعرفة وأوعية القراءة ووسائل المعلومات فستظل هناك حاجة إلى الكتاب الورقي الذي سيظل متوجًا على قمة الهرم المعرفي؛ومن الصعوبة بمكان أن يبعده أو يقصيه الكتاب الإلكتروني من مكانه أو يعيق مواصلة المسيرة في نشر المعرفة والوعي وتبادل الثقافات ،ورصد الحضارات ومعطياتها الإنسانية..أجزم بذلك بالرغم من كل الدلائل والمؤشرات التي توالت من الدول الغربية عن اختفائه وإحلال الكتاب الإلكتروني مكانه!
وبالرغم من التبشير بأننا سنعيش قريبًا عالمًا بلاورق ومكتبات بلاحوائط،وبالرغم مما وصل إليه عالمنا العربي من تطور في هذا المجال ،حيث ينشر به سنويًا أكثر من (2000) كتاب إلكتروني جديد ؛و أكثر من (100000)مائة ألف صفحة جديدة على الإنترنت؛فإن الإحصاءات لاتعضد هذه التنبؤات والمؤشرات والدلائل؛ففي العالم هناك (1,000,000) مليون كتاب ورقي ،يصدر سنويًا ويطبع منه مليار نسخة بالإضافة إلى(5000,000)ملايين دورية تصدر بأكثر من مليار نسخة وفي العالم العربي وحده (140) صحيفة يومية تطبع منها (10,000000)عشرة ملايين نسخة وحتى في الدول الغربية وأمريكا التي تعد من أولى دول العالم في النشر الإلكتروني ؛ نجد أن هناك زيادة مطردة ومحمومة في ارتفاع أرقام المبيعات حيث وصلت إلى أكثر من (60) بليون نسخة..ومن خلال تجاربنا ورصدنا نستطيع أن نؤكد أن الكتاب المطبوع مازال الطلب عليه أكبر بنسبة أربعة أضعاف الكتاب الإلكتروني،وهذا الواقع مدعوم بتاريخ القراءة،حيث مازال الكتاب أهم أداة للوصول إلى المعرفة والثقافة..
وإجمالاً يمكن القول : إن الكتاب الإلكتروني هوحصيلة التقدم العلمي تفنيًا في السياق العام للتطور الإنساني،وما ينبغي علينا هو الاستفادة من هذا التقدم وتطويعه لخدمة أغراضنا المعرفية والعلمية والبحثية..ومع هذا فإن مكانة الكتاب الورقي تبقى محفوظة؛لأن الكتاب لايعوض رغم ما تقدمه الإنترنت والوسائل التقنية الحديثة من أدوات للبحث وتتيح السرعة في التناول والاستفادة من المعلومة،ومع كل مايدور هنا وهناك في وطننا العربي من تعليقات وتخوفات من الزحف الخطير لهذا الجديد؛فينبغي ألا تخيفنا التقنية بل نحث أبناءنا على الأخذ بها وعلى النهل من القراءة أيضًا بتوفير كتب المطالعة وأن نسهل عليهم سبل الذهاب إلى دور المكتبات والمعلومات والتثقيف والترفيه المفيد جنبًا إلى جنب مع تعويدهم على حب الكتاب ونمد إليهم جسرًا عاطفيًا بينهما؛لأن تربية الطفل والنشء على القراءة هو جزء أصيل من حماية التراث؛فحينما نحقق ذلك لانخشى حينها على الطفل باتصاله بعالم المعلوماتية وبالتالي تتبدد المخاوف وتصبح النظرة إلى التطور العلمي إيجابية وليس كما يراه البعض اليوم صراعًا بين قديم وجديد..!